الساحة ــ وجدة

على هامش المعرض المغاربي للكتاب “آداب مغاربية” الذي تحتضنه مدينة وجدة شرق المغرب،”عاصمة الثقافة العربية 2018″، عقدت ندوة دولية احتضنها مسرح محمد السادس، في موضوع التصوف وثقافة السلام، بحضور عدد من المفكرين والباحثين وأهل الصوفية من مختلف بقاع العالم، حاضر المفكر والدكتور بلقاسم الجطاري في موضوع “وظيفية الصلاح وسوسيولوجية الشفاعة بالريف المغربي”.

الجطاري وفي مداخلته مهد بالقول: “إن لبعض الملاقي حديثا جميلا، والدعوة للحديث عن التصوف والصلاح هي دعوة لمساءلة مدارج راقية من مدارج الوجود والإدراك، وفرصة لمحاورة ألوان من الذوق والعرفان؛ لذا لن يستقيم القول ولن يستطاب القصد إلا وقد جعلنا المحبة زادا”، مثنيا على الذين دعوا واستضافوا وهيأوا العدة، “موعين موضوع التصوف والصلاح في برنامج هذا المعرض المبارك”.

الجطاري أبرز في بداية الموضوع “أنه يشيع الاعتقاد لدى غير العارفين أن رجال الصلاح والتصوف منزوون في خلواتهم، منكفؤون على أنفسهم، لا تشغلهم هموم الحياة الدنيا، وهذا الإعتقاد لعمري خاطئ نشأ بفعل ميل الناس إلى الإختزال والاطمئنان إلى الأحكام النمطية الشائعة لدى كثير من عوام الناس وخواصهم”.

وأوضح الأستاذ الجامعي بجامعة محمد الأول بوجدة الجطاري :”إن عوالم رجالات الصلاح والتصوف لم تنحصر في دائرة الزهد والخلوة رغم ما لذلك من أثر في تربية النفس وتجلية الحقائق، والحاصل أن ميزة تجربتهم الروحية تكمن في قدرتهم على الجمع والتوفيق بين أدوار ووظائف تتوزع بين مجالات الحياة المختلفة، الدينية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والروحية، وهو ما أضفى على سلطتهم فرادة وجاذبية لم يكتسبها غيرهم من ذوي الجاه والنفوذ”.

وأشار المفكر في معرض حديثه أن “سلطة الصلحاء والصوفية استندت عبر التاريخ إلى شرعية الواجب الأخلاقي، وهو ما جعل وجودهم حاجة اجتماعية مطلوبة وبالخصوص في فترات الأزمات السياسية الداخلية أو التهديدات الخارجية”، مشيرا أنه “قد ازدادت الحاجة لهذا الدور في المناطق البعيدة عن مراكز النفوذ السلطاوي، كمنطقة الريف ذات التضاريس الوعرة والبنية القبلية الانقسامية”، مذكرا “أن أرض الريف بشمال المغرب الأقصى ارتبطت بالصلحاء والفقهاء الذين نشروا الاسلام وعلومه على أساس التلازم بين المعرفة والسلوك العملي، كما تجلى في تجارب الصلحاء المتأثرين بتعاليم المدارس الصوفية الكبرى من المشرق والأندلس وبلاد المغرب”.

وأوضح المتحدق :”استنادا إلى ما حازه الصلحاء والمتصوفة من وظائف الشفاعة والوساطة فقد ساهم هؤلاء بفعالية في إرساء أسس الأمن والسلم الاجتماعيين على مستويات عديدة أذكر منها : مستوى التدخل في جوانب العلاقات بين الباحثين الاجتماعيين المختلفين بين الأطراف الاسرية والفئوية والقبلية، أو في علاقتها بالسلطة المحلية أو المركزية؛ ومستوى توفير شروط الأمن الاقتصادي والسياسي تأمينا لسبل الحياة الاقتصادية والعمرانية”.

وخلص الجطاري إلى أن “انبثاق الصلاح بالمنطقة كان نتيجة الحاجة لتدبير جوانب مركبة م حياة الناس الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه الأدوار التي اطلع بها الصلحاء والمتصوفة نابعة من موقعهم الاعتباري؛ وهي أدوار فرضتها شروط موضوعية عديدية تراكمت على مدى عقود”.